تريكة .. كاكا .. حديث الفانلات

حديث الفانلات تاريخ الغضب والدين والعنصرية على البساط الأخضر

نصف دقيقة يعبر خلالها اللاعب عن فرحته بالهدف تتحول إلى جدل مثير بين رجال السياسة وعلماء الدين!
كيف تصبح فانلة لايزيد وزنها عن 400 جرام ثروة بملايين الدولارات؟!
الجماهير تختار انحيازها للاعب بوضع فانلته على رؤؤسها فى الملاعب .. وبارتدائها فى الشارع
فانله حازم إمام .. الأكثر تواجداً بين جماهير الأبيض تعاطفاً معه ضد قهر المدربين
عبد الوهاب كتب أكثر صفحة والحزن فى سجل الفانلات .. وحسن شحاتة مزق الفانلة بعد هدف فى مرمى فريق المنيا!
فانلة كاكا تباع فى الكنائس .. وأنا أنتمى للمسيح .. جاءت رداً على شائعة اعتناقه الإسلام
جماهير القلعة البيضاء تعرضت لأعنف صدمة عندما ارتدى رضا عبد العال الفانلة الحمراء .. ولم تنسى الواقعة إلا مع ظهورحسام وابراهيم بالفانلة البيضاء

فانلة .. قد تشتريها من أى محل لبيع الملابس الرياضية بأقل من عشرين جنيه .. ولاتزيد وزنها مهما ثقلت عن 400 جرام .. لكنها قد تتحول إلى قنبلة سياسية تفتح جدلاً لا يتوقف وثار حولها نقاشات على أعلى مستوى .. وقد تتحول أيضاً إلى ثروة طائلة تقدر بملايين الدولارات .
ومع شعبية كرة القدم وانفتاح العالم تماماً تحولت الفانلات إلى عنوان يشير إلى ثقافة دول وحضارات شعوب ومشاعر جماهير بعينها .. تحولت إلى تاريخ غير مكتوب يسجل الغضب والثورة ويعبر عن مشاعر شعوب وأحلام أمم دون كلام .. تحولت إلى شبكة أخبار واسعة الانتشار تنقل الأحداث الساخنة سياسياً ودينياً إلى قلب الملعب ومنه إلى العالم … تحولت أيضاً إلى فتنة وعنصرية بغيضة تثير الغضب والاشمئزاز .. كل ذلك فى أقل من نصف دقيقة هى زمن فرحة اللاعب بالهدف الذى سكن مرمى الخصم .

وقبل أن ندخل إلى عالم (الفانلات ) وتاريخها غير المكتوب حتى الآن ، لابد من الإشارة إلى أن اللاعب محمد أبو تريكة الذى كتب صفحتين كاملتين فى تاريخ الفانلات كلتاهما ، كانت الأولى فى بطولة الأمم الإفريقية السابقة عندما ظهرت فانلته مكتوب عليهافداك يا رسول الله ) تعبيراًعن استيائه من الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم والتى نشرتها صحيفة "يولاندز بوست" الدنماركية عام 2005 وكانت الثانية منذ أيام وفى مباراة مصر مع السودان.
ورغم تصرفه العفوى إلا أن (الافتكاسات) أو الأفكار العبقرية لم ترحمه ولم ترحمنا أيضاً،فلم تكن كل هذه التأويلات السياسية والدينية فى رأس النجم المحبوب عندما قرر قبل مباراة مصر والسودان أن يكتب على فانلته عبارة ( تضامناً مع غزة) ، لم يكن يعرف أن جدلاً غريباً وعجيباً سيشغل منتديات الإخوان المسلمين ولا غيرها من المواقع الشهيرة التى راحت تضع تفسيرات وتأويلات تشير جميعها على استحياء إلى انتماء تريكة للإخوان المسلمين ؟! وذهب أخرون إلى أن اللاعب يحضر اجتماعات مرشد عام الإخوان ويحرص على التواجد فى الندوات الدينية ،وربطوا ربطاً أكثر غرابة بين موقف تريكة السابق عندما كتب على فانلته (فداكأمى وأبى يا رسول الله)!!، لدرجة أن قيادى كبير بالجماعة هو عصام العريان تدخل فى الموضوع نافياً كل هذا .
وبعيداً عن كل هذا العبث .. فليست غزة شأناً خاصاً بجماعة الإخوان ،كما أن التطاول على النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن أمراً مستفزاً لجماعة مهدى عاكف دون غيرها ، بل كان حالة عامة انطلقت من المحيط إلى الخليج .. وعبّر عنها أصحاب محلات البقالة والسوبر ماركت والتجار وباعة الصحف والخضروات والفاكهة وعلقوا لافتات مناصرة النبى (ص)حتى فى وسائل المواصلات العامة ..وكل هؤلاء لا يعرفون معنى كلمة (مرشد ولا مكتب إرشاد وربما لايعرفون ما هى وظيفة مهدى عاكف تحديداً ـ ولا من هو عاكف أصلاً .
أبوتريكة (مواطن) مصرى مسلم مثلى ومثلك وضعه الله فى موقع يستطيع من خلاله التعبير عن مشاعرة بطريقة مختلفة هى ألأوسع انتشاراً والأكثر تأثيراً.. وقد يكون أبوتريكة قد تفرد بتلك التصرفات دوناً عن غيره من اللاعبين لما يمتلك من عفوية المصرى البسيط غير الذى تذوق طعم الفقر طويلاً قبل أن ينعم الله عليه بالمال والشهرة مثلما أنعم بالتواضع وطيبة القلب ومعرفة الله حق معرفته.. هو مصرى بسيط يريد أن يقول للملايين الجالسين على المقاهى وفى المنازل ممن يشاهدونه وقلوبهم معلقة معه كلما ركله لاعب أو تعامل معه بعنف أو تعرض لإصابة أنا معكم فى فرحكم وحزنكم وغضبكم وأحبكم مثلما تحبوننى ومثلما تحبون اوطانكم وتنتفضون لدينكم ).
ما فعله تريكة هو اختصار لسيرة ورواية طويلة ستظل (الفانلة) بطلها ، ولعل اقتراحات الشباب العرب على المنتديات وانطلاق حملة (المليون فانلة تضامناً مع غزة ) تأكيد على ذلك ،أما صاحب (الفانلة ) الموهوب النبيل أبو تريكة فقد منحه الجمهور لقب وزير المحبة والسلام وفق ما نقلته المواقع الإليكترونية تعليقات الشباب العربى عقب المبارة .
إنها الفانلة .. التى تنقل كل هذا وأكثر .. الفانلة التى تجعل صاحبها نجماً ومليارديراً وأمبراطوراً على قلوب الجماهير وقيصراً وفارساً .. وقد تجعله ملعوناً أيضاً .
استحقت الفانلة رقم 15 اللعنة فى بطولة كأس العالم 2006 بالمانيا .. فبينما كانت الجماهير العربية تشيد بأداء منتخب غانا .. وبينما كانت جماهير مصر العاشقة لكرة القدم تتابع مباريات هذا المنتخب المتكامل والذى يقدمعروضاً جميلة .. فاجأ اللاعب جون فنستيل الجميع عندما رفع العلم الإسرائيلي عقب إحراز فريقه هدفا .. لم يكن اسم اللاعب معروفاً للجميع ، بل كانت الفانلة التى تحمل رقم 15 هى عنوان الحديث عن الواقعة أو الصدمة التى بدات ترتبط باسم اللاعب على المنتديات وفى الصحف الرياضة العربية والعالمية ، فالواقعة لم تكن تعبيراً عن حب فنستيل لإسرائيل التي يلعب في أحد أنديتها..بل كانت تأييداً لكيان صهيونى يغتصب الأرض والعرض ويستبيح الدم والشرف العربى ليل نهار .. كانت صدمة جعلت اللعنة بديلاً عن الاعجاب .. والكراهية بديلاً عن الحب .. وأصبحت الجماهير العربية تنتظر هزائم ثقيلة لمنتخب غانا .. بعد أن كانت تترقب انتصاراته ليس فقط باعتباره فريقاً متجانساً وجديراً بالفوز والتأهل للمهائيات .. ولكن وباعتباره منتخباً إفريقياً يمثل شعوبنا الفقيرة المطحونة تحت وطأة الصولجان والقوة الغربية الغاشمة بكل المقاييس .
فعلتها الفانلة رقم 15 .. هذه المرة .. وسيظل مشهد اللاعب الذى يرتدى تلك الفانلة وهو يجرى فرحاً ثم يباغت الجميع وينحنى ليسحب علماً إسرائيلياً كان قد وضعه فى الشراب .. عالقاً بذاكرة الجماهير العربية .
وسيظل تاريخ لعبة كرة القدم يذكر واقعة (فانلة) فانيستا مقرونة بواقعة (فانلة) أبوتريكة باعتبارهما الأكثر إثارة للجدل السياسى ،فالأولى ستكون لصب اللعنات .. فى حين ستظل الثانية محفورة فى الذاكرة العربية كصفحة بيضاء مكتوبة بحروف من نور